أصبحت روبوتات الدردشة بالذكاء الاصطناعي تثير الكثير من الجدل مؤخراً، خصوصاً بعد ارتباط اسم "شات جي بي تي" – التابع لشركة OpenAI – بحوادث مأساوية تضمنت حالات انتحار وقتل تم تداولها في الأخبار، هذه الأحداث سلطت الضوء على مخاطر الاعتماد على روبوتات الدردشة في الصحة النفسية، وأثارت تساؤلات جدية حول حدود دور الذكاء الاصطناعي في حياة الإنسان.
ورغم ذلك فإن شريحة من المستخدمين ما زالت ترى في هذه الروبوتات أداة مفيدة وربما الخيار الأسهل، خاصة مع صعوبة الوصول إلى معالج نفسي متخصص، سواء بسبب ندرة المتخصصين، أو ارتفاع تكاليف العلاج، أو حتى الحواجز الاجتماعية والثقافية التي تمنع البعض من طلب المساعدة الطبية.
خطورة الذكاء الاصطناعي على الصحة النفسية
يجد الكثيرون في "شات جي بي تي" وغيره من الروبوتات مساحة آمنة نسبياً للتعبير عن مشاعرهم، لكن الخبراء يحذرون من أن مخاطر روبوتات الدردشة قد تفوق أي فوائد محتملة.
ففي بعض الحالات القصوى، قد يُصاب المستخدمون بما يُعرف بـ "الذهان الناتج عن الذكاء الاصطناعي"، وهو اضطراب قد ينشأ نتيجة المحادثات الطويلة والمستمرة مع الروبوتات.
ووفقاً لتقرير نشره موقع Mashable المتخصص في التكنولوجيا، قد تؤدي هذه الحالة إلى أوهام أو شعور متضخم بالقدرات الشخصية، وهو ما يفاقم الأزمات النفسية بدلاً من علاجها.
لماذا لا يُمكن الاعتماد على روبوتات الدردشة كبديل للمعالج النفسي؟
هناك أربعة أسباب جوهرية تجعل روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي غير مناسبة كبديل عن الدعم النفسي البشري:
1- الاعتماد على الروبوتات قد يقود إلى دائرة مغلقة
أظهرت أبحاث نُشرت على منصة arXiv أن التفاعل المطوّل مع روبوتات الدردشة يجعل المستخدم يميل إلى "تأنيس" هذه الأنظمة، أي التعامل معها ككائنات واعية، ومع مرور الوقت يدخل البعض في دائرة مغلقة حيث يكرر الروبوت ما يرغب المستخدم في سماعه، مما يعمق القناعات السلبية ويزيد من مشاعر العزلة.
2- روبوتات الدردشة تفشل في المحادثات المطوّلة
محادثات الصحة النفسية بطبيعتها طويلة ومعقدة، وهو ما تعجز عنه أنظمة الذكاء الاصطناعي، فقد اعترفت شركة OpenAI أن دقة الروبوت تقل مع امتداد الحوار، كما أن هذه الأنظمة تفتقر إلى "نظرية العقل"، أي القدرة على فهم عميق لتفكير العميل عبر جلسات متواصلة، ما يجعل استجاباتها سطحية ومحدودة.
3- المراهقون وأصحاب الاضطرابات النفسية أكثر عرضة للخطر
يشير الدكتور سكوت كولينز – أخصائي علم نفس الأطفال – إلى أن المراهقين قد يسيئون تفسير ردود الروبوتات باعتبارها تعاطفاً حقيقياً، وتشير بيانات Aura إلى أن عدداً كبيراً من المراهقين يقضون وقتاً أطول في التفاعل مع روبوتات الدردشة مقارنة بتطبيقات مثل Snapchat أو iMessage، بل وينخرط بعضهم في علاقات عاطفية مع هذه الأنظمة، وهو ما يعد خطراً كبيراً على نموهم النفسي والاجتماعي.
4- وجود بدائل أكثر أماناً للحصول على الدعم النفسي
ينصح الخبراء المراهقين باللجوء أولاً إلى أشخاص موثوقين في حياتهم مثل الأقارب أو المعلمين أو المدربين قبل الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، كما يمكن للمجتمعات الإلكترونية أو كتابة اليوميات أن توفر متنفساً آمناً للتعبير عن المشاعر، لكن يظل الدعم البشري المباشر هو الأكثر أماناً وفعالية.
هل يمكن الاعتماد على روبوتات الدردشة للعلاج النفسي؟
يظل في النهاية الاعتماد على روبوتات الدردشة بالذكاء الاصطناعي محفوفاً بالمخاطر، خاصة لدى المراهقين والأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية، ورغم أنها قد توفر لحظة مؤقتة من الراحة أو الإحساس بالدعم، إلا أنها لا تستطيع أن تحل محل المعالج النفسي البشري أو شبكات الدعم الواقعية.
يبقى الخيار الأكثر أماناً هو طلب المساعدة من مختصين أو أشخاص موثوقين، مع استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة فقط وليس كبديل عن الدعم النفسي الحقيقي.